هزّ اغتيال الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقاً على يد «داعش» المخرج المصري ناصر عبد المنعم، فدفعه إلى البحث في جذور التطرف الفكري. أخذته رحلة البحث إلى الإمام السهروردي (1155-1191) في عصر صلاح الدين الأيوبي، ليستعيده في أحدث عروضه «سيد الوقت» على خشبة «مسرح الغد» في القاهرة، عن نص «ليلة السهروردي الأخيرة»، لمحمد فريد أبوسعدة.
انتصار صالح
لُقب شهاب الدين السهروردي بـ «الشيخ المقتول»، تمييزاً له عن أئمة صوفيين يحملون الاسم. كان من كبار المتصوفة وأفقه علماء عصره. أحد دعاة النظر في القرآن بعقلانية، أسس مذهب الإشراق المنفتح على الثقافات الشرقية والفلسفات القديمة. جذبت أفكاره الظاهر ملك حلب، فاتخذه معلماً، ما أثار حقد فقهاء المدينة الذين اتهموه بالزندقة ووشوا به للسلطان صلاح الدين الأيوبي، خالطين الدين بالسياسة، وفكر الإشراق بالقرامطة، الخارجين على الدولة الأيوبية.
يواجه «سيد الوقت» تأريخاً يُراد له أن يسود، لا يرى في الأيوبي سوى منقذ للأمة، ويتجاهل الأهوال التي ارتكبها في مصر وغيرها، منها قتل السهروردي، لتصبح مقولة الشهيد في العرض «حاكمية البشر يمكن مقاومتها واستبدالها بأخرى أكثر حرية وعدلاً. حاكمية الفقهاء توسم الخارجين عليها بالكفر والزندقة. تسلبهم القدرة على التغيير والتعبير، لأنهم لن يكونوا في معركة بين بشر وبشر، بل معركة بينهم وبين الله». لا ينسى «سيد الوقت» ضحايا آخرين للخلاف الفكري، منها ذبح والي الكوفة لـ»الجعد بن درهم»، في المسجد يوم عيد الأضحى. يبدأ العرض بـ»نوران» طالب العلم، مطارداً من أشخاص غير محددين. ومع صدى أنفاسه المُنهكة، يضم لصدره كتب نصر ابوزيد وفرج فودة، كنماذج لضحايا التطرف المعاصر، ثم يأخذنا إلى عالم السهروردي، الذي يلتقيه نوران مصلوباً.
هكذا نعيش رحلة العالم الزاهد مع فقهاء السلطان، الذين اتهمهم بالفساد وبالتربح من الدين، لهذا يرفضون إعمال العقل، لأنه يفقدهم نفوذهم. تآمروا عليه، وتصيّدوا مقولاته المغلفة بدلالات لغة شعراء الصوفية ليتهموه بالتجديف، وهو ما تلقفه صلاح الدين، كاره الفلاسفة والمختلفين معه مذهبياً، هكذا خطط للقضاء على الفاطميين في القاهرة، وعلى أزهرهم. العرض يتناول الصراع التراجيدي داخل الظاهر بين طاعة أمر والده السلطان، بأن يذبح الشيخ بيديه، وبين عاطفته تجاه أستاذه الذي يجلّه، لكنه يعجز عن حمايته، في مشهد تراجيدي، يظل معه معذباً بدم الإمام المسفوك. غير أن العرض لا يتجاهل روايات أخرى لوفاة السهروردي، من قائل إنه صام صوماً أبيض حتى قضى، متطوعاً للتخفيف عن الملك الظاهر، ومن قال إنه شُنق. وفي سياق موازٍ، يحتفي بحب صامت من الغانية وردة للشيخ المقتول، وتحولها إلى متصوفة زاهدة. سينوغرافيا نادية المليجي، استلهمت أجواء الصوفية ظاهراً وباطناً، خالقة عالماً موازياً لشخصية الصوفي، بجماليات روحانية، موزعاً بين مساحتين، تفصلهما، إن صح تعبير الفصل، ستائر بيضاء شديدة الشفافية، وعلى الجوانب قناديل إضاءة بزخارف نباتية وبالخط العربي، كما الستائر، التي نرى خلفها مشاهد تعبيرية، وعلى جانبيها يؤدي راقص المولوية الشهير، شبراوي، طقوس رقصته. في مقابله رقص تعبيري معاصر لرشا الوكيل، بأداء ناعم. عبر الرقص، يجمع العرض بين الماضي والمعاصر، والرجل والمرأة. وتكتمل الحالة الصوفية مع موسيقى شريف الوسيمي، وصوت المطرب فارس، وملابس الشخصيات، بين خشونة وبساطة رداء السهروردي، مقابل بهرجة ملابس الفقهاء. برع الممثلون في أدائهم الشفاف والمتأمل أولهم وائل إبراهيم ( السهروردي) وتامر نبيل (الظاهر) وحسن عبد الله (نوران) وسامية عاطف (الغانية).
عن الأخبار اللبنانية.