اليومي والمثفف

 يتساءل الكثير من المهتمين، عن سر استياء المثقف من المشاركات الفعالة،سواء كانت سياسية أو اجتماعية مدنية،أو حتى سياسية، إذ كيف تحدث التراجعات،وكأنها موجة اجتاحت المجتمع المغربي،وقلصت من المشاركة وربما حتى الاهتمام بالمجال العام؟
1_المثقف وإكراهات اليومي

اليومي وهو انشغالات تفرض الاستجابة للحاجات الضرورية،فالمثقف كائن بشري،يحتاج للسكن والطعان،له ولأسرته،هذه الاهتمامات أساسية،تفرض وضع أوليات،واعتبار العمل الذي يعيش من دخله مهمة ضرورية لا يمكنه التخلي عنها أو التفريط فيها،قد يتساءل البعض،لماذا لم يكن اليومي حاضرا بكل هذه القوة سابقا؟
الجواب واضح،فهناك حاجيات جديدة،أثقلت كاهل المواطنين المغاربة جميعا،انضافت إليها نمط الحياة الجديدة،بما تفرضه من إيقاعات سريعة للاستجابة لكماليات تحولت بفعل الزمن إلى حاجيات لا يمكن الاستغناء عنها،خصوصا متطلبات الصغار،من مدارس وخرجات وحتى سهرات واحتفالات،من قبيل أعياد ميلاد الصغار،ومجاملاتهم لأقرانهم وأقاربهم،كل هذه الإكراهات تجاوب معها المثقف،وأشعرته بإلحاحية المتطلبات اليومية،فتحمل أعباءها بتنويع مدخوله والاجتهاد لخلق فرص جديدة تخلصه من الخضوع لسطوة الاعتراف بالعجز،التي لا يمكن للمثقف القبول بها،وهو صاحب المكانة الاعتبارية،أسريا واجتماعيا،فطبيعته ترفض الاستكانة تجاه اليومي والتعالي عليه،فصار واقعيا في حياته ومستجيبا للتغيرات التي يفرضها الواقع اليومي للمثقف رغم تبعاتها.

2_المثقف وآثار اليومي

هذه الانشغالات لها تأثيرات على نفسية المثقف وحياته الفكرية والإبداعية،لكنه لا يصرح بذلك،رغم وجود حالات من المثقفين تعالت على اليومي،بفعل غناها الأسري،أو اشتغالها في مجالات تدر عليها مالا عميما،أو استفادت مما هو سياسي،فأغناها عن التفكير في اليومي،فتحررت من إكراهاته،فاليومي كانشغالات يجذب المثقف للتفكير في قضاياه،مما يولد شعورا بالإحباط والبؤس،لأن غباوات اليومي كإكراه يلغي الفروق بين النخبة وغيرها من الفئات الأخرى،من هنا يجد المثقف نفسه،حاملا لمأساة مضاعفة،تنطرح عليه بشكل مستفز،كيف لفكره الوقاظ،وعبقريته العميقة،أن تعجز عن تحريره من التفكير في تلبية حاجيات طبيعية،وهو القائل بأهمية الرمزي على الطبيعي والغريزي؟
هنا تطرب مداركه،وتتولد لديه الحسرة وأحيانا حتى النفور من ذاته،وكل المعاني التي أفنى زهرة شبابه في تشييدها وبنائها.

3مآلات المثقف

غالبا ما يستسلم المثقف لإكراهات اليومي،فيعود إلى خطابات الفكر اليومي،مندمجا بعدائية مع المغايرين له،طموحا ومعارف وخبرات،نافرا من كل فكر وكل رمزية يتأهل بها لأن يكون مسموعا،بدل الاستسلام للمعتاد في غباوته ومجاملاته الكثيرة،وهي حلول يلجأ إليها تجنبا لما يقود إليه اليأس،من رغبة تصل حد التفكير في التخلص من الذات ودفنها ماديا،بالانتحار أو التشرد هربا من رمزيات حياة المثقفين،وهي حالات كثيرة تظهر وتختفي،ويتم تجاهل حدوثها حتى من طرف المثقفين والساسة.

خلاصات
______
اليومي متاهة معطلة لاجتهادات الفكر والفن،التغلب عليها يقرب من عالم الطبيعة الاعتيادية،وهو ما يعني الذوبان في الجماعة،ونسيان عالم الرموز والمفكرين في إعادة بنائها أو حتى خلقها،ربما لذلك يتم محاصرة المثقفين بشكل قصدي،من أجل شل قدرتهم على الوجود المتميز والراقي،وهي مهمة تمارس بالسياسة وحتى بالمجتمع الساعي للانتقام من كل ماهو مختلف ورمزي.
حميد المصباحي_كاتب روائي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *