محمد الواكيرة..كأنه ينفث النار

bkrim mمحمد باكريم *

صدر هذا النص باللغة الفرنسية ضمن ركن إصدارات لجريدة البيان.

 قد يبدو نشر الشعر في زمن الناس هذا، مغامرة وفعل نادر جدا إن لم يكن هفوة من هفوات فن التسويق، مادام أنه لم يعد يستجيب لمنطق سوق القراءة المتغير باستمرار.

لكن، وعلى عكس منطق السوق، ثمة من يؤمن بجدوى المغامرة كما هو الأمر بالنسبة للمؤلف الشعري الأنيق “… ويحجب الربيع” للشاعر الكبير محمد الواكيرة، وهو المؤلف الصادر عن دار نشر فتية ومفعمة بالحيوية، هي “منشورات فاصلة” بطنجة.

لعل صدور هذا المؤلف الشعري الأنيق، في طبعة لا تقل أناقة، هو أبلغ رسالة للتأكيد على أن نشر الشعر ليس فقط هو نوع من الشجاعة والتحدي بل هو عمل شعري في حد ذاته، يتناغم وينسجم فيه الشكل والمضمون. بل إن متعة تناول هذا المنجز الشعري تزداد أكثر من خلال المزاوجة بين المقروء والمنظور المتمثلة في مرافقة النص الشعري بلوحات تشكيلية للفنان المتألق بوشتى الحياني.

 هكذا يلج القارئ عالما مليئا بالرموز، في حركة ذهاب وإياب، متداخلة ومنفصلة في آن، مادام أن النصين يتوخيان هدفا واحدا هو القراءة: لوحات الحياني، بل رسوماته، بقدر ما هي بصرية فإنها أيضا مقروءة، كما أن نصوص الواكيرة تنفتح على عالم بصري غني بالألوان والصور والإحالات الرمزية.

وكما يقول الناقد رشيد خالص في تقديمه لهذا المؤلف الشعري:” الكاتب والفنان في تواطئهما الودي كأنهما يطلبان من المتلقي  أن يجد معايير جديدة للقراءة. فاللوحات لا تشخص النص، كما أن القصيدة لا تعيد قول ما تتضمنه اللوحات”.

بالفعل إن عمل الواكيرة يتوجه إلى قارئ يقظ: فنصوص الواكيرة، أحد أكبر شعرائنا المتمكنين من الكتابة بأكثر من لغة، هي بمثابة نداء يأتي أحيانا كأنه همس أو بوح، وأحيانا كصرخات منبعثة من عمق قصي:

” ينصهر الدم، الهمس، غضب، خجل

  أنتشي وأطلق صرخة على الملأ:

ارحل

ارحل

ارحل”

لنتأمل أيضا هذا الاعتراف الذي يدعو فيه القارئ للتواطؤ معه:

” الآن

هل أكذب على نفسي وأبتلع حلول الربيع في عز الشتاء؟”

إن رسومات الحياني تمهر وتواكب هذا الشدو الملحمي في مقاطع بصرية مستقلة، لكنها تحافظ على نفس إيقاع المقروء. هذه الأجساد العارية، والحنين لبراءة ضائعة، كأنها نداء لتحرير جسد مكبل بالأسئلة الوجودية للقصيدة.

إنه نشيد للعقل في مواجهة الاستبلاد والاستلاب.

مترجم بتصرف – فاصل ثقافي.

photo jour

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *